16. كتاب الدعوات
- باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته صلى الله عليه وسلم
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة". وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. ((رواه أبو داود بإسناد جيد)). وعن أنس رضي الله عنه، قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" ((متفق عليه)). زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه. وعن ابن مسعود، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى" ((رواه مسلم)). وعن طارق بن أشيم، رضي الله عنه، قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني" ((رواه مسلم)). وفي رواية له عن طارق أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" ((رواه مسلم)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماته الأعداء" ((متفق عليه)). وفي رواية: قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها. وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر" ((رواه مسلم)). وعن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: اللهم اهدني، وسددني". وفي رواية: "اللهم إني أسألك الهدى، والسداد" ((رواه مسلم)). وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". وفي رواية: "وضلع الدين وغلبة الرجال" ((رواه مسلم)). وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم" ((متفق عليه)). وفي رواية: "وفي بيتي" وروي: "ظلمًا كثيرًا" وروي "كبيرًا" بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة، فينبغي أن يجمع بينهما، فقال: كثيرًا كبيرًا. وعن أبي موسى، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير" ((متفق عليه)). وعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل" ((رواه مسلم)). وعن ابن عمر رضي الله عنه الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك" ((رواه مسلم)). وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". ((رواه مسلم)). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" زاد بعض الرواة: "ولا حول ولا قوة إلا بالله" ((متفق عليه)). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر". رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا لفظ أبي داود. وعن زياد بن علاقة عن عمه، وهو قطبة بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء". رواه الترمذي وقال حديث حسن. وعن شكل بن حميد، رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: علمني دعاء. قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر مني". رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام". رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة" ((رواه أبو داود بإسناد صحيح)). وعن علي، رضي الله عنه، أن مكاتبًا جاءه، فقال: إني عجزت عن كتابتي. فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله عنك؟ قل: "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)). وعن عمران بن الحصين، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أباه حصينًا كلمتين يدعو بهما: "اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)). وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: علمني شيئًا أسأله الله تعالى، قال: "سلوا الله العافية" فمكثت أيامًا، ثم جئت فقلت: يا رسول الله: علمني شيئًا أسأله الله تعالى، قال لي: "يا عباس يا عم رسول الله سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة". ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)). وعن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة، رضي الله عنها، يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)). وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان من دعاء داود عليه السلام: "اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد". رواه الترمذي وقال حديث حسن. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام". رواه الترمذي ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي قال الحاكم حديث صحيح الإسناد. وعن أبي أمامة، رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئًا، قلنا: "يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا،" فقال: "ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله؟ تقول: "اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله". رواه الترمذي وقال حديث حسن. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار". ((رواه الحاكم أبو عبد الله، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم)).
- باب فضل الدعاء بظهر الغيب
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل" ((رواه مسلم)). وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل" ((رواه مسلم)).
- باب في مسائل من الدعاء
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . وعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعو على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم" ((رواه مسلم)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" ((رواه مسلم)). وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي" ((متفق عليه)). وفي رواية لمسلم لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ من يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات". رواه الترمذي وقال حديث حسن. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها. ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم" فقال رجل من القوم: إذًا نكثر قال: "الله أكثر". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم" ((متفق عليه)).
- باب كرامات الأولياء وفضلهم
وعن أبي محمد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصُّفة كانوا أناسًا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: "من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس بسادس" أو كما قال: وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غُنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئًا، والله لا أطعمه أبدًا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون. وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف -أو الأضياف- أن لا يطعمه، أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان! فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أكل منها. وفي رواية: إن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا، فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه، فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غُنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، فقال: ويلكم ما لكم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله. الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. ((متفق عليه)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد، فإنه عمر" ((رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب: "محدثون" أي: ملهمون)). وعن جابر بن سَمُرة، رضي الله عنهما، قال: شكا أهل الكوفة سعدًا، يعني: ابن أبي وقاص، رضي الله عنه الله عنه، إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا -أو رجالا- إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة. فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أم والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك بن عمير الرواي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن. ((متفق عليه)). وعن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رضي الله عنه الله عنه خاصمته أروى بنت أوس إلى مروْان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئًا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه إلى سبعين أرضين" فقال له مروْان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعمِ بصرها، واقتلها في أرضها، فقال: فما ماتت حتى ذهب بصرها وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت" ((متفق عليه)). وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها فكانت قبرها. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه الله عنهما قال: لما حضرت أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما رآني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن علي دينا فاقضِ، واستوصِ بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودفنت معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه، فجعلته في قبر على حدة" ((رواه البخاري)). وعن أنس رضي الله عنه أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما، فلما افترقا، صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. ((رواه البخاري)) من طرق، وفي بعضها أن الرجلين أسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهما. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينًا سرية، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، رضي الله عنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجئوا إلى موضع فأحاط بهم القوم، فقالوا: انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا، فلا أنزل على ذمة كافر: اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خُبيب، وزيد بن الدِّثِنَّة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخُبيب، وزيد بن الدِّثِنَّة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خُبيبًا، وكان خُبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فلبث خُبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بُنيٌّ لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه الموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خُبيب، فقال أتخشين أن أقتله ماكنت لأفعل ذلك قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خُبيب فوالله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خُبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تُبقِ منهم أحدًا، وقال: فلست أبالي حين أُقتل مســــلمًا**على أي جنب كان لله مصرعــي وذلك في ذات الإله وإن يشأ**يبارك على أوصـــال شلو ممزع وكان خُبيب هو سَنَّ لكل مسلم قُتل صبرًا الصلاة، وأخبر -يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناسٌ من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قُتل أن يؤتوا بشيء منه يُعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا. ((رواه البخاري)) قوله: الهدأة: موضع، والظلة: السحاب، الدبر: النحل. وقوله: "اقتلهم بَِددًا" بكسر الباء وفتحها، فمن كسر، قال: هو جمع بدة بكسر الباء، وهو النصيب، ومعناه: اقتلهم حصصًا منقسمة لكل واحد منهم نصيب، ومن فتح ، قال معناه: متفرقين في القتل واحدًا بعد واحد من التبديد. وفي الباب أحاديثُ كثيرة صحيحة سبقت في مواضعها من هذا الكتاب، منها حديث الغلام الذي كان يأتي الراهب والساحر، ومنها حديث جُريج، وحديث أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم الصخرة، وحديث الرجل الذي سمع صوتًا في السحاب يقول: اسقِ حديقة فلان، وغير ذلك. والدلائل في الباب كثيرة مشهورة، وبالله التوفيق. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن. ((رواه البخاري))